السبت، 14 نوفمبر 2015

معركة بروزة " من أيام الإسلام الخالدة "

ترامت إلى مسامع السلطان سليمان القانوني الجهود التي كان البابا بول الثالث يقوم بها لتوحيد أوربا ضد المسلمين، وكُللت جهوده بعقد هدنة مدتها عشر سنوات بين ملك فرنسا فرنسوا، وبين الإمبراطور شرلكان، ثم لم تلبث البندقية أن انضمت إلى هذه المعاهدة.

ثم تبع ذلك عقد تحالف صليبي سنة 1538 ضم معظم الدول الأوربية الكبيرة في ذلك العصر؛ مثل: إسبانيا، وألمانيا، والبرتغال، والبندقية، بالإضافة إلى الدول الصغيرة كجنوة، ومالطا، وفلورنسا، ولم يتخلف عن هذا الحلف سوى فرنسا، وإنجلترا، وقد تم هذا الحلف برعاية البابا، وزعامة شرلكان.

كان هدف شرلكان من هذا التحالف الاستفادة من هذا الأسطول للقضاء على القاعدة العثمانية في الجزائر؛ بينما كانت البندقية تهدف إلى استعادة الجزر التي استولى عليها المسلمون في بحر إيجة.

وهكذا فقد شهدت سنة 1538 احتشاد أكبر أسطول أوربي في عرض البحر المتوسط، لم يعرف تاريخ الحروب البحرية له مثيلاً منذ معركة أكسيوم التي وقعت في سواحل اليونان سنة 31 قبل الميلاد.

كانت قيادة هذه الحملة قد أسندت من طرف شرلكان إلى البحار الجنوي الشهير أندريا دوريا؛ حيث وضع تحت تصرفه أسطولاً مكونًا من أكثر من 600 قطعة بحرية؛ منها 308 سفينة حربية كبيرة، مزودة بـ2500 مدفع؛ أما السفن الباقية فقد كانت سفن حرب ونقل صغيرة. كان الأسطول يحمل على متنه 60,000 جندي من جنسيات وأعراق مختلفة، لا يجمعهم سوى الحقد الصليبي والنهب والانتقام، كما كانت المنافسة والحسد على أشدها بين قادة الأسطول الصليبي، ولم يتردد قائد الوحدات البابوية، وقائد الوحدات البندقية في التحالف الصليبي في اتهام أندريا دوريا بعد الهزيمة التي مُنُوا بها، بأنه غدر بهم وخانهم.

وعلى الرغم من ذلك؛ فقد كان قادة الأسطول الصليبي على ثقة تامة من كسب المعركة دون عناء يذكر؛ وذلك اعتمادًا على التفوق العددي والعسكري الكبير الذي كانوا يتمتعون به، حتى إنهم قاموا باقتسام ممتلكات الدولة العثمانية قبل بداية المعركة.

أما الأسطول العثماني فقد كان مكونًا من 122 قطعة بحرية، تقل 20,000 جنــدي، تولى خير الدين باربروسا القيادة الرئيسية للأسطول، يساعده في ذلك أمهر البحارة العثمانيين الذين أدَّوا دورًا كبيرًا في تثبيت الوجود العثماني في البحر المتوسط وشمال إفريقيا؛ أمثال: صالح رئيس، وتورغوت رئيس، وسيد علي المرادي رئيس، حسن رئيس.

تحرك الأسطول العثماني بقيادة خير الدين باربروسا في 25 من سبتمبر 1538 متوجهًا صوب جنوب غرب بحر إيجة؛ حيث رسا بميناء أغريبوز، وفي هذه الأثناء بلغته أنباء قيام أندريا دوريا بمحاصرة وقصف قاعدة بروزة التي كانت تعتبر أحد أهم قواعد الأسطول العثماني على الساحل اليوناني، فأرسل "خيرالدين" "تورغوت رئيس" على رأس طليعة من الأسطول مكونة من 20 قطعة بحرية لمراقبة تحركات الأسطول الصليبي؛ بينما توجَّه هو على رأس بقية الأسطول العثماني إلى قاعدة مودون، الواقعة على السواحل الشرقية لشبه جزيرة المورة.

كان أندريا دوريا على وشك حشد قواته في كورفو، غير أنه عندما بلغه نبأ اقتراب الأسطول العثماني بقيادة خير الدين بربروسا أمر برفع الحصار عن بروزة والانسحاب إلى شمالها؛ وذلك لاستدراج الأسطول العثماني إلى خوض معركة غير متكافئة، بعد أن يحصره في حيز ضيق، ويتمكن بذلك من تدميره بسهولة، والقضاء على الحامية العثمانية في بروزة.

كان أندريا دوريا قد قام بهذه المناورة في ليلة 28 من شهر سبتمبر؛ ولكنه حينما طلع الصباح فوجئ بالأسطول العثماني راسيًا على مسافة قريبة من الأسطول الصليبي؛ ذلك لأن خير الدين كان قام بالمناورة نفسها، وقام بأخذ وضعية الاستعداد للمعركة في عرض البحر.

أمر أندريا دوريا بالاقتراب من الأسطول العثماني لكي يكون في مرمى مدفعيته، وفي هذه اللحظة أصدر خير الدين أمره إلى تورغوت رئيس بالالتفاف حول الأسطول الصليبي؛ بينما اتخذت وحدات الأسطول العثماني شكل الهلال، وأخذت في التوسع على الجانبين تمهيدًا للإطباق على أسطول العدو بواسطة الجناحين، بالإضافة إلى الهجوم الرئيسي الذي كان سينطلق من قلب الأسطول العثماني.

 شرعت وحدات الإسطول العثماني الرئيسية في قصف السفن الصليبية بقذائف المدفعية، في هذه الأثناء كان تورغوت رئيس قد أتم التفافه حول السفن المعادية، وشرع في دكِّ التحالف الصليبي بسفنه الثقيلة التي سادها الاضطراب والفوضى، فراحت تنشد النجاة في محاولة يائسة للفرار، فكان من نتيجة هذا الاشتباك أن تم إغراق عدد كبير منها.

جعلت الهزيمة السريعة والمباغتة غير المتوقعة أندريا دوريا يقوم بالانسحاب بشكل مفاجئ وسريع، وما إن حل الظلام حتى أعطى أوامره إلى قواته الباقية بأن تطفئ المصابيح، ثم تلوذ بالانسحاب؛ مسجلاً بذلك أكبر هزيمة في تاريخ الحروب البحرية حتى ذلك العصر، في معركة لم تزد عن خمس ساعات رغم التفوق العددي الهائل الذين كان بين القوتين المتحاربتين.

وفي هذا الوقت انتهز خير الدين باربروسا فرصة ارتباك الأسطول الصليبي، فأمر بتعقب السفن الهاربة، فقام تورغوت رئيس بمطاردتها، والاستيلاء على عدد من السفن التي لم تتمكن من الفرار.

خسر الصليبيون في هذه المعركة نصف سفنهم؛ التي بلغت 123 سفينة حربية بين سفن غارقة، وأخرى معطوبة، كما قام العثمانيون بإغراق عدد كبير منها، والاستيلاء على 36 سفينة، بالإضافة إلى 3000 أسير، أما خسائر العثمانيين فقد كانت 400 شهيد، و800 جريح.

كانت أهم نتيجة تمخضت عن هذه المعركة هي سيطرة العثمانيين على شرق ووسط البحر المتوسط دون منازع، وانتقال الحروب العثمانية الأوربية من البر إلى البحر.

وهكذا نصر الله جنده وارتفعت رايات التوحيد متسيدة عباب البحار لقرون طويلة.

روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق
URL
HTML
BBCode

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

المواضيع الأكثر زيارة

انضم لنا علي الفيس بوك